عبدالهادي راجي المجالي
... نحن عكس العالم تماما، فحين يعتقل أحدهم في دولة أوروبية، ترتسم علامات الوجوم على الناس، والبعض يسأل عن السبب، ومن الناس من يخاف على الديمقراطية، ومن الناس أيضا من يسأل عن تطبيق معايير حقوق الإنسان... في الأردن القصة مختلفة فحين يعتقل أحدهم، أول ردة فعل تكون: (بيييه شحطوه).. وتأتيك مكالمة هاتفية ليلية من أحد الذين ينظرون للأمر باعتباره مناسبة سعيدة ويقول لك: (شفت كيف.. والله غير ايهبروه)...
نحن عكس العالم تماما، فأنت إذا مشيت في شوارع لندن وسقطت سيدة بفعل الكعب العالي، أول ردة فعل تكون من المارة.. هي الصراخ الذي يعني التعاطف، ويتطوع المارة لمساعدتها، ويعتذرون لها... وبعضهم قد يقدم خدمة التوصيل لها.. بالمقابل ردات الفعل لدينا مختلفة، فأول أمس ولحظة جلوسنا على المقهى سقطت سيدة بفعل الكعب الذي ترتديه أمامنا، جميعنا شاهدنا الحدث.. وكانت ردات الفعل: (اتهورفت).. أنا لا أعرف معنى الكلمة،وصديق أطلق ضحكة عالية، وقال: (هورت).. وآخر علق على الحدث بعبارة: (بوزها شمط الرصيف).. وأمضينا نصف ساعة نتحدث عن سقوطها باعتباره مناسبة سعيدة.
قلت أننا عكس العالم تماما، فحين يوغل الطفل (مارك) بالشقاوة في باريس مثلا، تكون ردة فعل الأم حنونة، وتحذيراتها له حنونة أيضا، وقد يصل العقاب إلى أعلى مرحلة بحرمانه من قطعة الشوكلاتة، لدينا الأمر مختلـف فحين يوغل الطفل (مشعل) في الشقاوة أول كلمة تسمعها من الأم: (هاتوا الحفاية)... وأحيانا تسمع لتحذيرات من شاكلة: (والله لأكسر راسك يا حمار)... في فترة الحظر سمعت جملة: (هاتي الحفاية) أكثر من مرة، نحن الشعب الوحيد الذي يستعمل الأحذية للعقاب أيضا.
الأمر يتجاوز هذه الأشياء، فحين تعرض نشرة الأخبار، ينتبه الناس في كل أصقاع العالم، لما تقوله المذيعة، المهم ما تعرضه من أخبار... لا أحد ينتبه لوجه المذيعة أو عيونها، لدينا القصة مختلفة.. فحين تظهر مذيعة على التلفاز ـ وهذا ما حدث معي في جلسة ضمت مجموعة من الزملاء وكنا نشاهد الأخبار ـ كان أو تعليق لأحدهم: (خشمها مثل بوز الفولفو)... وأخر علق قائلا: (حاطة علبة دهان ع وجهها)... وثالث أدلى بتصريح خطير: (ترى يا أخوان خطبت جديد.. عرسها الشهر الجاي).. لكن أغرب تعليق كان لصديق مستجد بالمهنة حيث قال: (ترى يا أخوان نافخة عيونها.. عمليات).. أنا أعرف أن عمليات التجميل تشمل الشفاه والوجه، ولا تصل للعيون... من أين حصل هذا الزميل المستجد على المعلومة؟.. المهم أن التعليقات استمرت، إلى الحد الذي وصل فيه أحدهم للقول: (والله مرة شفتها بتشتري حمص..من أبو جبارة).
نحن عكس العالم تماما، فوزير الإعلام منذ البارحة وهو ينفي خبر إصابته بكورونا... ولكن الناس ما زالت مصرة أنه أصيب، وقد وضح الرجل الأمر وأكد أن ما عرضه التلفاز كان فيه لبس، ولكن البعض مازال مصرا على الأمر...وقد هاتفني أحد أبناء العمومة من الكرك أمس، وقال لي: (ودي أقول الزلمة وجهو أصفر كان في العرض)... وأنا حاولت إقناعه أن صياغة القصة لم تساعد في شرح الفكرة، لكنه لم يقتنع... وأصر وقال لي: (إنسى الكورونا شمطتو)..
نحن لسنا عكس العالم فقط، ولكننا نبحث عن الاختلاف حتى مع أنفسنا، وننقلب أحيانا على ذاتنا.
[email protected]